دانييلا أوبيرتي ممرضة من أطباء بلا حدود تعمل مع اللاجئين السوريين في جبال لبنان الشرقية، وتحكي كيف تتأقلم هذه "العائلات الاعتيادية" مع انقلاب حياتهم بسبب الحرب.
"كان يوماً طويلاً. هذا الصباح كنت في العيادة في عرسال، على ارتفاع حوالي 1,600 متر، ولا يفصلنا عن سوريا سوى الجبال. منظر الطبيعة يخطف الأنفاس، بوجود بعض الثلوج على قمم الجبال، ولكن على المنحدرات الطقس يصبح أدفأ. وبالنسبة للكثير من السوريين، هذه هي المحطة الأولى بعد وصولهم إلى لبنان.
على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وصلت الكثير من الجمعيات الأهلية إلى عرسال، وبدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إجراءات التسجيل الرسمية. هذا يعني منح السوريين بطاقة تعرف بهم كأشخاص لاجئين وتمنحهم إمكانية الحصول على عدة خدمات متوفرة عبر المنظمات المحلية والدولية.
لا مزيد من المنازل الفارغة
حين وصلتُ منذ شهرٍ ونصف، كانت المنازل ما تزال فارغة في عرسال. الآن كل بناء – سواء كان مكتملاً أو قيد البناء – تم تأجيره لسوريين. كما يمكث الكثير من اللاجئين في ضيافة جيرانهم اللبنانيين، أو يقيمون في خيام مقدمة من الجمعيات الأهلية المحلية. هذا وتوجد عائلات كاملة تقيم في جامعٍ ضخم غير مكتمل البناء، ويتم تزويدهم بالماء والغذاء والسلل الصحية.
ولا يذهب معظم الأطفال إلى المدرسة. يبحث القليل من الرجال عن عمل كنجارين مقابل مبالغ زهيدة، لكن معظم الموجودين لا عمل لديهم ولا فكرة عما سيحصل لهم.
هؤلاء أناس عاديون، عائلات عادية، أجبروا على الهرب من بلدهم بسبب الاضطرابات. معظمهم جاء من حمص، حيث كانت القنابل ما تزال تتساقط والاشتباكات بين المتمردين والجيش ما زالت مشتعلة.
البحث عن صوت
لاحقاً في اليوم ذاته، التقيت بطبيبين نفسيين، آريانا ومحمد، عند الجامع غير المكتمل. إننا نبحث عن واحدٍ من مرضى محمد كان قد توقف عن حضور جلساتهم. أستغل الفرصة للتكلم مع بعض العائلات، التي تدعوني بسرعة إلى شرب القهوة في خيامهم.
ألتقي بهامية، امرأة شابة توقفت أيضاً عن حضور الجلسات مع طبيبها النفسي. بلغ عمرها تقريباً 20 عاماً وتقيم في غرفة في الجامع مع أفرادٍ آخرين من عائلتها. جميعهم قلقون عليها بشدة. والغرفة خالية إلا من الفِرَش والسجاد الذي يغطي أرض الغرفة. تجلس هامية في الزاوية، مغطاة ببطانيتين. تبكي باستمرار دون أن تتكلم. أخبرونا أن أخاها البالغ من العمر 16 عاماً قتل يوم أمس في سوريا. الجميع مصدومون بهذه الأخبار – أنا عاجزة عن الكلام. أسألها إن كانت ترغب بالتكلم إلى الطبيب النفسي، وتوافق، فيأتي محمد ويتكلم معها.
واجب الاستماع
في ذلك المساء، أفكر بالناس الذين التقيتُ بهم، الوجوه التي رأيتها، وعيونهم الحزينة، الكثير منها على حافة البكاء، ورغم ذلك ما زالت تظهر الاحترام والترحيب. أفكر بالرجال والنساء الذين شكروني، رغم أن كل ما قمتُ به كان الاستماع إلى مشاكلهم الصحية ودعوتهم إلى العيادة في اليوم التالي.
يريد الكثيرون أن يتكلموا، أن يخبروني عن أنفسهم. أشعر أن علي واجب الحضور والاستماع لقصصهم، لشذرات حياتهم. في الأخبار يتكلمون عن القنابل، الجرحى، الوفيات؛ لكن خلف كل قنبلة، كل إصابة وكل وفاة، هناك عائلات ومجتمعات كاملة تعاني. هؤلاء مثلكم ومثلي، لم يرتكبوا أي جريمة، ورغم ذلك يجدون أنفسهم وسط الحرب".